يمكنكم استلام إشعارات بأهم الموضوعات بعد تحميل أحدث نسخة من تطبيق

ومرت ساعة صعودا بين طرق وعرة بينما كانت السيارة تقترب بخطورة من حافة الجبل، حتى تملكني الخوف ولم أستطع مواصلة الرحلة، فرجوت السائق التوقف وأغلقت الباب وبدأت رحلة النزول.
لقد شعرت بخيبة الأمل رغم أنني اكتشفت وجود إديهر، وبات عليّ أن أجد سبيلا آخر للوصل إليها. عدت أنا وكريم والسائق من تادرت إلى مراكش ذاك المساء، وطمأنني كريم إلى أنه سيسعى لإيجاد طريق أهون إلى القرية مؤكدا أنه لا يريد مني شيئا مقابل ذلك.
ومرت بضعة أيام وتلقيت مكالمة منه، فقد قرر أن نستقل السيارة الرباعية في درب مختلف، ولكن على قدر ما كنت أطوق لاقتفاء نفس أثر رحلة الطلبة بطول 35 كيلومترا من تيلويت أثنتني الخطورة عن ذلك فعهدت إلى كريم مهمة إيجاد سبيل آخر.
انطلقنا بعد سبعة أيام، وبينما غادرت وكريم والسائق مراكش واتجهنا إلى الجبال سلكنا درب القوافل القديم نحو الجبال ذات القمم المغطاة بالثلوج.
رأينا النساء يغسلن الملابس في قنوات الماء والريح تحرك سجاجيد تركت للهواء على جانب الطرق بينما سارت البغال متهادية تمر ببيوت بسيطة.
وبعد نحو ثلاث ساعات تركنا درب القوافل واقتربنا من تادرت من الجانب المقابل للجبال كما فعلنا في رحلتنا السابقة.
ورغم أن إديهر لم تبعد أكثر من 20 كيلومترا استغرقت الرحلة عدة ساعات قطعنا خلالها جداول مياه وسرنا بسرعة السلحفاء ووجدنا أنفسنا على درب مترب بينما ارتفعت قمم جبال الأطلس الأعلى في الأفق وبدت تظهر وتختفي بين وقت وآخر. وأخيرا بدت القرية الصغيرة عبارة عن بضعة بيوت بسيطة قرب غدير ماء متدفق من الجبال.
حيا كريم سكان القرية بالعربية وبالأمازيغية وخرج رجال بالجلباب التقليدي الطويل وظهرت على استحياء نساء بملابس وأغطية رأس زاهية. بدا أنهم ليسوا معتادين على زوار من الخارج.
جزت بين بساتين ورأيت الماعز ورافقتني صحبة من الأطفال إلى الغدير أسفل القرية حتى وجدت شجرة الجوز التي تحدث عنها كلارك. تألفت القرية من منازل زات أسقف منخفضة ألوانها رملية اصطفت في مربع كان صف منها بجوار حافة الجبل أعلى الغدير تماما كالصور في كتاب بعثة طلاب أوكسفورد.
أخرج سكان القرية صورا بالأبيض والأسود لأجنبي توقف بالمكان قبل سنين طويلة. طلبت أن أصور النسوة وحملقن في الصور على جهاز الآيباد لدى بذهول إذ لا هواتف محمولة ولا كاميرات هنا.
أريتهم نسخة من الكتاب الذي يصف قريتهم وسألت إن كان أحد يتذكر الطلبة الأجانب ولكن أحدا لم ير الكتاب قبلا وقلائل من ميزوا صور بعض المتوفين من كبار القرية.
ولا يبدو أن شيئا تغير كثيرا في إديهر عن أيام بعثة أوكسفورد إلا أن مركبة تنقل الآن سكان القرية إلى تادرت بين الحين والحين.
والناس يعملون بالأرض كما فعلوا منذ أجيال، ومازالوا يحتفلون بتناول اللحم المطهو بعناية وأطباق الخضر في طواجن خاصة، وقد قدموا لي بعضا منها ذاك اليوم.
ولم يوجد إلا جهاز تلفاز واحد قديم غير متصل بكهرباء للقرية، وبدا السكان في قناعة بما لديهم وهو اليسير ومازالوا يشترون أغراضا من رجال جائلين يستبشرون بهم فألا حسنا.
أمضيت وقتا قصيرا بالقرية وغادرت قبل حلول الظلام مكانا لم يعد على الخارطة ومن الصعب العثور عليه إلا مصادفة، ولكني وجدته وحلمت بالعودة يوما لأخيم فيه كما فعل الطلاب قبل سنين طوال.
ولا يتوافر لدي تمويل من جامعة أو مجلة علمية، ولكنني أيقنت أن العزم كاف لمن أراد اليوم الاكتشاف، وربما لست أول من يستكشف إديهر ولكن بفضل كرم الغرباء شعرت أنني أعدت اكتشاف سر صغير مخفي عن الأعين تناساه الدهر بين الجبال.

Comments

Popular posts from this blog

هل مكملات "أوميغا 3" الغذائية مفيدة حقا لمرضى السكري؟

مصر ستواصل جهودها مع الأطراف الفلسطينية لتحقيق المصالحة

ما هي التهديدات الكبرى التي قد تؤدي إلى فناء البشرية؟